لماذا يوجد سلطات واسعة للملك

إن الانتقاد الموجه للنظرية الملكية الديمقراطية بسبب منح الملك سلطات واسعة يتجاهل حقيقة أساسية في طبيعة المجتمعات البشرية. في أي بلد أو منظمة أو حزب أو حتى تجمع إنساني بسيط، نجد أن هناك دائمًا قوة فعلية تؤثر في القرارات وتوجه الأمور، وغالبًا ما تكون هذه القوة غير ظاهرة للعلن. إذا كان النظام الديمقراطي التقليدي يروّج لفكرة أن السلطة موزعة بشكل عادل، فإن الواقع يثبت أن هناك قوى خفية تعمل خلف الكواليس، وتوجّه المشهد السياسي والاقتصادي دون أي مساءلة أو وضوح.

النظرية الملكية الديمقراطية تسعى إلى مواجهة هذا الواقع بجعل السلطة الحقيقية معلنة وواضحة، بدلًا من أن تتحكم بنا جهات غير معروفة تتخفى وراء شعارات ومظاهر ديمقراطية. الملك في هذا النظام ليس مجرد رمز أو دمية سياسية، بل هو القائد المسؤول والمعلن الذي يتحمل تبعات قراراته ويظهر كوجه حقيقي للدولة. هذا يضمن الشفافية ويحد من تأثير المهرجين السياسيين الذين يتغيرون كل بضع سنوات، بينما تظل السياسات الحقيقية تُدار من خلف الستار.

إن وجود ملك قوي وواضح المعالم، مدعومًا بديمقراطية مباشرة وغير مباشرة من خلال المؤسسات المهنية والخدمية، يضمن استقرار الدولة ويحميها من التحولات العشوائية والتأثيرات الخفية. بهذه الطريقة، تتحقق الشفافية والمسؤولية في آنٍ واحد، وهو الهدف الأسمى لأي نظام يسعى لتحقيق العدالة والاستقرار.

منح الملك صلاحيات واسعة في النظام الملكي الديمقراطي ليس هدفه الاستبداد، بل هو خطوة واعية تهدف إلى وضع السلطة في يد الشخص الأقوى فعليًا في البلاد، بدلاً من أن تكون هذه القوة مخفية أو موزعة بشكل فوضوي. عندما يكون الملك هو القائد الفعلي، فإنه لن يغامر بوضع مهرجين أو شخصيات غير مؤهلة في مراكز السلطة، لأن ذلك سيشكل خطرًا مباشرًا على سلطته واستقرار البلاد. لذا، يصبح الملك مجبرًا على اختيار قادة أكفاء يتحملون المسؤولية بجدية.

النظرية الملكية الديمقراطية لا تتجاهل أهمية التخصص والعمل المؤسسي، بل تجعل رؤساء النقابات المهنية هم المسؤولين الرئيسيين عن إدارة قطاعاتهم، مع صلاحيات رئاسية شاملة تمكّنهم من تمثيل البلاد في المحافل الدولية والقيام بدور مشابه لدور الوزراء في الأنظمة الأخرى. ومع ذلك، يمنح النظام الملك الحق في التدخل إذا حدثت أخطاء أو تجاوزات، لتجنب النزاعات بين النقابات وضمان التوازن بين المصالح المختلفة.

هذا التوازن بين القوة والمسؤولية يحقق استقرارًا فريدًا من نوعه، لأن الملك القوي، بصفته الحَكم النهائي، يضمن أن تكون القرارات متوازنة وتخدم الصالح العام، دون أن تتحول إلى صراعات بين المؤسسات. وهنا تكمن ميزة النظام: الاستقرار والأمن، وهما أساس ازدهار أي دولة.

الدول التي تحكمها قيادات قوية ومستقرة هي الأكثر أمانًا وازدهارًا، لأن وجود قائد قوي يضمن وضوح المسؤوليات وحماية المصالح الوطنية من العبث أو الفوضى. وهذا بالضبط ما تطمح إليه النظرية الملكية الديمقراطية: دولة مستقرة، آمنة، ومزدهرة تحت قيادة مسؤولة وفعالة.

المفكر: ألبيرت جبور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *